مقالة

نصيحة عنترة لمنافسي ماكدونالدز

٢١ جمادى الآخرة ١٤٤٣ هـ

صافي آل صافي

ماذا لو قلتُ لك أن أفضل نصيحةٍ رياديةٍ في عالم الأعمال اليوم، هي نصيحةٌ لن تقرأها في صفحات WSJ ولن تسمعها في مقاطعِ وارن بافت، بل ستتعلّمها من قصيدةٍ عربية، كتبها عنترة في خضمّ حروبه؟

تخيّل أنك مقبلٌ على افتتاح مطعمٍ تتأمّلُ لهُ النجاح، وحيثُ أنك واقعيٌّ لا تحبُّ الطموحات الوردية، فستبحثُ لمطعمك هذا عن موقعٍ مثاليٍّ للافتتاح، ولا بد مع اتساع أطراف الرياض من أن تجد لنفسك زاويةً لم يبسط الكبارُ قبضتهم عليها بعد، أو هكذا ظننت.

ما تريدهُ هو أن تفتتح فرعًا لفكرة مطعمك الجديد بعلامة تجاريةٍ لا يعرفها سواك، فأنت تبحثُ عن مكانٍ استراتيجيّ، يجذبُ بحدّ ذاته الزوار من الفئة المستهدفة، ومن الضروري أن يخلو من المنافسين العمالقة الذين سيغلبون علامتك التجارية الهشّة بعراقتهم الثقيلة.

دعني أختصر الأمر عليك، لن تجد مكانًا مثاليًا تمامًا، ولكنها موازنات عليك القبول بها، هنالك مكانٌ استراتيجي ولكنه غير مزدحم اليوم، ومكانٌ مزدحم ولكنه مقبلٌ على فقدان قيمته الاستراتيجية، هنالك مكانٌ يجذب الفئة المستهدفة ولكنه مليءٌ بجحافل المنافسين، وآخر يخلو من المنافسين ويخلو من العملاء كذلك، فما العمل حينها؟

دعنا نتصور إحدى هذه الأماكن، لنقل أنك وقفت على أرضٍ خصبةٍ لزراعة مشروعك، نقطةٌ استراتيجيةٌ في شمال الرياض، وحولها إقبالٌ مزدحمٌ من الجماهير الغفيرة، ولأن الحسن لا يكتمل، فقد صُدِمتَ بتلك الأعمدة الحمراء والأقواس الذهبية في الشارع المقابل مباشرةً، وبنظرةٍ خاطفة ستجد رتلًا من السيارات المصطفة وحفلًا من الجماهير الجائعة تتهافت عليه، وذلك طبيعيٌّ بلا شك لسلسلة الوجبات السريعة الأولى عالميًا، ماكدونالدز.

هل ستتأمّلُ خلطاتك السريّة وتوابلك القويّة وقد غدت أحلامك باردةَ المذاق؟ وهل تؤجِّلُ المشروع أمدًا آخر، فلا مغزًى من الانطلاق هنا لمنافسة عملاقٍ مثل ماكدونالدز؟

لستُ هنا لأسطّرَ لك أقوال التحفيز أو أدفعك للمراهنة على حظوظك، ولكنني رياديٌّ مثلك، وأكرهُ أن أرى فرصةً تضيع ولو لم أربح منها، لذلك أقول لك ما قاله الإمبراطور "ماركوس" بتصرّف: لا تدع لهذه الأقواس الذهبية أو البطاطا المقلية أن تمنع انطلاقك، فما يُعيقُ الوصوّل يُسرِّعُ خطوك، ومن يقفُ في الطريق يصيرُ هو الطريق!

لقد وقفَ مؤسسُ ماكدونالدز "راي كروك" في نفس موقفك هذا من قبل، أرادَ حينها أن يفتتح فرعه التالي من ماكدونالدز، فوصل به الأمر اليوم إلى امتلاك السلسلة الأقوى عالميًا في الأطعمة السريعة، وصارت أقواسه الذهبيةُ رمزًا للعولمة تُدرَّسُ في كلّ كتابٍ مدرسيّ، بل إن تواجد ماكدونالدز في دولتين اليوم هو عائقٌ جيوسياسيّ يُعتبرُ مانعًا لنشوب نزاعاتٍ عسكريةٍ بينهما.

ما الذي أفضى به لذلك؟ إنه الإيمانُ بأن العقبة هي الطريق، لقد كانت عقبة كروك هي الانتشارُ السريع، فتحوّل من بيع الهمبرغر إلى تجارة العقار، باحثًا في كل ولايةٍ عن الموقع الاستراتيجي الأمثل لشراء أرضٍ يجعلها مكانًا حصريًا للراغبين بفتح فروع الامتياز التجاري لماكدونالدز، تستطيع اليوم أن تطمئن باختيارك لمجاورة العملاق الأحمر، فقد صارت فروعه علامة توثيقٍ لاختيار المكان المثالي التالي لمطعمك الناشئ.

إن كانت المنافسة هي ما يقلقك، فتذكّر المرة الأخيرة التي قررت فيها تناول وجبة بيج ماك، هل رحت تبحث عن فرعٍ محددٍ من فروع ماكدونالدز لزيارته؟ أم بحثت عن أقربِ فرعٍ لك لتطلب منه؟ وهل نحفظُ فروع ماكدونالدز أصلًا؟ أم نطلبُ من أيها أينما كنا واثقين تمامًا من الجودة والمذاق الذي سنحصل عليه؟

عندما تجاورُ مطعمًا مكتظًا، فأنت تدخلُ في سباقٍ لاقتناص عملائه الأوفياء، ولكنك عندما تجاورُ فرعًا لماكدونالدز، فأنت تعرضُ بضاعتك في مكانٍ مثاليٍّ للفئة المستهدفة بناءً على تقييم العملاق الأحمر، وتقتنص عملاءً لا يتمتعون بالولاء لهذا الفرع، بل للسلسلة، وهذا يعني أن زبائنه سيأتون له من هذا الحيّ، أما زبائنك فسيأتون من شتى أصقاع المدينة بحثًا عن طعامك الفريد، وعندما يجدُ الزبون أن فرع ماكدونالدز مكتظٌّ أو آلة الأيسكريم لديهم معطّلة، فلن يجد خيارًا أفضل منك.

عند اختيار مكان فرعك القادم، تذكّر ألا تتهيّب الازدحام بالمنافسين، فما هم إلا عائقٌ عن الوصول يسرّع الخطوات، وعقبةٌ في الطريق ستغدو هي الطريق، ورائدُ الأعمال اللبيب يتّخذُ نصيحته من قول عنترة: وإذا الجبانُ نهاكَ يوم كريهةٍ، خوفًا عليكَ من ازدحام الجحفلِ.. فاعصِ مقالتهُ ولا تحفَل بها، واقدِم إذا حقَّ اللِقا في الأوّلِ!

شارك هذا المقال

صافي آل صافي

صافي آل صافي

صافي آل صافي

صافي آل صافي